كانت هناك ردود أفعال أخرى كثيرة، وأفضل هذه الردود جاءت من النجاشي ملك الحبشة، ومن المنذر بن ساوي ملك البحرين وقد أسلما دون تردد، أما النجاشي ملك الحبشة فقد أخفى إسلامه؛ لأن وضع الدولة النصرانية كان صعبا، لأنه لو أعلن إسلامه، فإن الشعب سيقتلعه اقتلاعا من كرسيه، وعندما ساند المسلمين قبل ذلك كاد أن يقتلع النجاشي من كرسيه، فلذلك أخفى إسلامه و آثر أن يساعد الدولة الاسلامية الناشئة في المدينة المنورة، وهو يعلن النصرانية في الظاهر ويبطن الإسلام، ولكن المنذر بن ساوى رحمه الله أعلن إسلامه، وأسلم شعبه وكانوا يدينون بعبادة الأصنام، ولكن يبدو أن المنذر بن ساوى رحمه الله كان قويا ممكنا في قبيلته، وكان محبوبا بين شعبه، وكان الناس تبعا لقائدهم كعادة العرب في ذلك الوقت، فزعيم القبيلة أخذ قرار الإسلام فأسلمت قبيلته وأسلم شعبه، ولكن الوضع في بلاد الحبشة يختلف فهو بلد نظامي كبير، وله تاريخ طويل فكان من الصعب على النجاشي أن يغير أفكار الناس كلها في لحظة واحدة، فكان هذا الوضع بالنسبة لملك الحبشة وملك البحرين، وقد كان هذا أفضل الردود.
ويأتي رد المقوقس ملك مصر من أفضل الردود أيضًا فقد أحسن استقبال الوفد الإسلامي، وأكرمهم بالهدايا إلا أنه لم يسلم، والحقيقة أننا نتعجب من عدم إسلامه، لأن المقوقس ذكر في رده لحاطب بن أبي بلتعة، أنه كان يعلم أن نبيا سيظهر في هذا الزمان، ولكنه كان يحسب أن هذا النبي سيظهر في الشام، أي كان عنده تهيئة نفسية لظهور النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يسلم، بل إنه لم يفكر أصلا في التأكد من كونه نبيا أم لا، مع أننا نشعر أن المقوقس كان يعرف أنه نبي فعلا، وإلا ما أكرم سفارته وحمّلها بالهدايا، وهو ما كان يفعل ذلك الأمر مع كذاب يدعي النبوة، وخاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت لم تكن له قوة كبيرة أو بأس، ولم يكن يحكم دولة ضخمة يخشاها المقوقس، ويحتاج إلى مهادنته، بل على العكس كانت قوة مصر المادية أضعاف قوة المدينة المنورة في ذلك الوقت، ولكن على كل حال أكرم المقوقس وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أثرا إيجابيا للدولة الإسلامية في كل مكان، وأكد على شرعيتها في النظام الدولي الجديد، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، فهذا كان رد المقوقس، فقد رد بأدب وحمل حاطب بن أبي بلتعة بالهدايا، ولكنه لم يسلم.